Social Icons

twitterfacebookgoogle pluslinkedinrss feedemail

التعليم المفتوح : البرامج ـ الأهداف ـ المبررات ـ السمات ـ السلبيات ـ الأهمية



دأ التعليم الجامعي المفتوح يؤتي ثماره عربيًا في ثمانينيات القرن العشرين، مستفيدًا من تقنيات النسيجية (الإنترنت)، والفضائيات، ووسائل الاتصال الحديثة.. ويكفي من مزايا هذا التعليم أن كثيرًا من الجامعات التقليدية بدأت تعده في مطلع الألفية الثانية جزءًا من برامجها الأكاديمية الحقيقية. وهذا يعني أن التعليم الجامعي المفتوح يعد تعليمًا رائدًا بما يمتلكه من تقنيات تعليمية حديثة؛ وخصوصًا أنه يسهل عمليتي التعليموالتعلم، وهو في الوقت نفسه يعد تعليمًا أصيلاً إذا اتكأ على القواعد الأكاديمية الصحيحة التي يستند إليها التعليم الجامعي التقليدي المألوف لدينا. ومن ثم فإننا في مواجهة هذا التعليم - الذي غدا حقيقة لا يمكن تجاوزها - أمام إشكاليات تعليمية متجددة، تحتاج منا بوصفنا أكاديميين متطورين، إلى الحرص على أن يكون هذا التعليم الجامعي أصيلاً رائدًا في مجاله.

ينطلق مفهوم التعليم الجامعي من مبدأ إعطاء فرصة حقيقية لخريج الثانوية كي ينال شهادة جامعية حقيقية على الرغم من أية معوقات تقف في طريقه، خصوصًا أن هذا التعليم لا يحتاج إلى بنية تعليمية تقليدية؛ إذ المهم أن يتوافر في برنامجه التعليمي المقرر الشامل المعد خصيصًا لهذا التعليم، وبعض اللقاءات الأكاديمية الإشرافية المحدودة للتواصل بين المرشد الأكاديمي والطالب. وعلى هذا الأساس يبدو الطالب الجامعي في التعليم الجامعي المفتوح أستاذًا لنفسه، فبقدر أدائه وفهمه للمقررات الدراسية تكون نتائجه جيدة؛ لذلك تصبح المسؤولية كبيرة على عاتق هذا الطالب المنتمي إلى جامعة مفتوحة، لأنه في نهاية المطاف وحده ـ بعد الله سبحانه وتعالى ـ المسؤول عن بناء ذاته بناء أكاديميًا صحيحًا، دون أن نستثني دور الجامعة المفتوحة، التي يقع على عاتقها إعداد المقررات الدراسية المناسبة، واستقطاب المرشدين الأكاديميين الجيدين، وحيازة المبنى الأكاديمي بمستلزماته الأكاديمية المختلفة؛ لإحداث اللقاءات الإشرافية والاختبارات على أفضل وجه. في سياق على هذا النحو، يمكن تصور مفهوم التعليم الجامعي المفتوح بوصفه بنية أكاديمية حقيقية متجددة؛ تعني الاختصار الشديد في مستلزمات التعليم الجامعي كلها، باستثناء المقررات الدراسية التي يفترض أن يكون إعدادها على مستوى أفضل من مستويات التعليم في الجامعات التقليدية، على اعتبار أن المقررات الدراسية هي أهم ما في التعليم الجامعي. وما دام التعليم الجامعي ـ على وجه العموم ـ هو طالب وأستاذ كأي تعليم مدرسي آخر، فإن التعليم الجامعي المفتوح هو طالب وأستاذ ضمني يسكن بين سطور المقرر الدراسي، وهذا الأستاذ الضمني لا بد أن يتحول في نهاية المطاف إلى أستاذ فعلي هو الطالب نفسه؛ لذلك يغدو التعليم الجامعي المفتوح ـ في الدرجة الأولى ـ طالبًا ومقررًا، حيث يتحمل الطالب ـ في حال كون المقرر أعد إعدادًا جيدًا ـ المسؤولية الكاملة عن فهم المقرر واستيعابه؛ لأن الطالب أستاذ نفسه في هذه العملية التعليمية المتجددة.إذًا علينا أن نؤمن، في ضوء الرؤية المفهومية السابقة عن التعليمالجامعي المفتوح، بأن هذا التعليم هو التعليم المعاصر بكل معنى الكلمة، خصوصًا أنه ولد من رحم التأقلم مع الأوضاع الحضارية الجديدة، وأنه يتخفف من سلوكيات التعليم التقليدي وتجهيزاته، وأنه يضع المسؤولية أولاً وأخيرًا على عاتق الطالب الجامعي، بوصفه محور هذه العملية التعليمية.إن تقاليد التعليم الجامعي على العموم تفترض منا أن نتجاوز التعليم المدرسي الذي يتكئ على تفعيل ذاكرة الحفظ من خلال التلقين الذي يحيل الطالب ـ في العادة ـ إلى التبعية لمعلمه، الذي يفترض أيضًا أن يطبخ لهذا الطالب «المشاغب» المستهلك كل شيء، ويكمن التجاوز في التعليم الجامعي من خلال فرضية أن يكون الطالب الجامعي محاورًا، باحثًا مفكرًا، هادئًا، أمينًا، يفهم، يقلل من الحفظ.. كما يفترض أن يكون الأستاذ الجامعي مثقفًا، منفتحًا، إشكاليًا، محاورًا...إلخ.وعلى أية حال، فإنه يجب على التعليم الجامعي، عمومًا، أن يتجاوز الأسلوب الاستهلاكي المشروع المتبع في تعليم الطالب المدرسي، ويضع نصب عينيه الاهتمام بالأسلوب الإنتاجي، الذي يعني أن يتحمل الطالب جزءًا كبيرًا من العملية التعليمية، وألا تكون غايته الحصول على شهادة بأية طريقة ممكنة قد تجعله في النهاية أميًا بشهادة عليا. والمهم أيضًا أن يكون هذا الطالب الجامعي شخصية تعليمية فاعلة، إيجابية، تنتج تعليمها بذاتها؛ لأن الطالب الحقيقي هو القادر على تحقيق النجاح الفعلي، وتجاوز الفشل مهما كانت نوعيته. لذلك تصبح مسؤولية الطالب في التعليم الجامعي المفتوح مضاعفة، لأن التقاليد الجامعية في الجامعة المفتوحة التي ينتمي إليها تحمله المسؤولية شبه الكاملة، قياسًا إلى طالب الجامعة التقليدية الاتكالي بعض الشيء.لا يعني مصطلح الجامعة التقليدية ظاهرة سلبية، بل هو مصطلح يحمل مفهوم التقاليد الجامعية الأصيلة، وهو بالتالي مقابل/ مرادف معنوي للتعليم الجامعي الجديد المتمثل في التعليم المفتوح، وفي كلا التعليمين تغدو الفوارق التعليمية شكلية، ما دام كلاهما تعليمًا جامعيًا لا مدرسيًا. إنما يمثل التعليم الجامعي المفتوح قدرة تعليمية متجددة، واضحة في تسهيل احتياجات الطالب التعليمية على العموم، لكننا نفترض، في الأحوال كلها، أن يكون هذا التعليم صارمًا، واعيًا، إشكاليًا، شاملاً في عملية وضع المقررات الدراسية على وجه التحديد!!إن المقصود بوضع المقرر الدراسي ليس مجرد تقرير كتاب جيد مثلاً، بل يجب أن يكون المقرر معدًا خصيصًا لهذا التعليم، بحيث تكون طبيعته حوارية إشكالية، تولد لدى الطالب تساؤلات كثيرة خارج المقرر نفسه، وهو ما يعني أن يصير الطالب خلال قراءته هذا المقرر أستاذًا مفكرًا قادرًا على استحضار المشكلات التعليمية وحلولها، وأن يتجنب المقرر مسألة التركيز على الحفظ أو التلقين الشائعين في التعليم المدرسي.وفي حال توافر المقرر الناجح، نستطيع أن نترك الطالب مع هذا المقرر في أي مكان يريده، بغض النظر عن حضور المحاضرات الجزئية، ونقنعه في الوقت نفسه أن تقويمه من خلال الاختبارات سيكون عسيرًا، لأننا لا نريده أن يكون هامشيًا عن طريق أن نعوده على الأسئلة الشكلية التي لا تتجاوز عناوين المقرر؛ لتكون نتائجه تجارية مرتفعة، فيتساوى في هذا التعليم الغث والسمين من بين الطلاب، فتغدو العملية التعليمية برمتها عملية سهلة شكلية!نريد أن نؤكد حقيقة مهمة، وهي أن المقررات الدراسية المجدية تصلح في التخصصات النظرية تحديدًا. أما التخصصات المخبرية أو العملية فهي بكل تأكيد ستحتاج إلى توافر المعامل التطبيقية المختلفة. ولأننا نعد المقررات الدراسية النظرية هي الأساس في التعليم الجامعي المفتوح، فإن غاية المقرر أن يصير الطالب مفكرًا يحقق النجاح بصعوبة؛ لنراه بعد التخرج منتجًا حقيقيًا!!إن تعويد الطالب سلبًا أن التعليم المفتوح قد يكون «ادفع قسطًا تنجح فصلاً» على طريقة بعض الجامعات الأهلية التقليدية التجارية، هو الكارثة التي ستحاصر هذا التعليم مستقبلاً؛ إذ من الضروري أن يكون هناك تحذير دائم من مغبة الوقوع في هذا الفخ!! لذلك تبقى أصالةالتعليم الجامعي المفتوح مختزلة في أن يتعب الطالب خلال قراءة المقرر واستيعابه؛ ليكون منجزًا ومنتجًا ابتداء من القراءة الواعية المتفحصة، ومرورًا بإحراز نتائج جيدة في الاختبارات، وانتهاء بتجربة العمل الجيدة بعد التخرج ونيل الشهادة الجامعية المفتوحة.يبدو التعليم المفتوح في نهاية المطاف ليس مجرد شهادة جامعية «تُبروز» فوق رأس صاحبها، أو مجرد شهادة محو أمية، أو مجرد استثمار تجاري، إنه بنية جامعية أصيلة في وسائلها وأهدافها، وإن الطالب في هذا التعليم يتحمل العبء الأكاديمي الأكبر، وهو بذلك يفترض أن يكون أكثر إنتاجًا من الطالب في التعليم الجامعي التقليدي!!هناك أشياء كثيرة يمكن الحديث عنها في مجال الريادة المتوقعة من وراء التعليم الجامعي المفتوح، لكن ما يهمنا هنا هو الجوهري منها، وخصوصًا في مجال خدمة الطالب الجامعي في أسلوب عملي يتصف بالسهل الممتنع؛ إذ يستطيع هذاالتعليم الجامعي المفتوح أن يسهل مهمة الطالب الموظف أو العامل في قطاعات مختلفة، فيتيح له فرصة إيجاد التوافق المناسب بين العمل والدراسة. كما أن هذا التعليم بوصفه لا يحتاج إلى تكلفة اقتصادية عالية، ولا إلى تجهيزات أكاديمية معقدة؛ ولأنه يهتم بفاعلية التعليم في الدرجة الأولى من خلال إعداد المقررات الدراسية الجيدة، يستطيع أن يكون رياديًا في مجاله، لأن الغاية من التعليم الجامعي المعاصر التشدد المنطقي في الدرس الأكاديمي، في مقابل التساهل في المعوقات الأكاديمية الروتينية المصاحبة له.من جهة أخرى نفتح التعليم الجامعي المفتوح على الإمكانية، فتتعدد فيه المراكز الدراسية في أزمنة متنوعة وجغرافيا متعددة، وهذا يعني أن هذا التعليم يذهب إلى تجمعات الدارسين حيث وجدوا، فينهي الأعباء والمشاق التي يواجهها الدارسون في التعليم التقاعدي، ومن ذلك أن يسافروا إلى أماكن الجامعات البعيدة في العادة عن أماكن الإقامة! وأيضًا يمكّن هذا التعليم الدارسين ـ عندما يحضر إليهم ـ من تجاوز المعوقات المالية والإدارية، والسياسية، والاجتماعية التي قد تكون حاضرة سلبيًا في التعليم التقليدي.


0 التعليقات:

إرسال تعليق

تابعونا على